الرئيسية » من يرعى من؟

من يرعى من؟

by Sami

نشهد، اليوم، جهوداً عظيمة ومباركة تبذلها مؤسسات الدولة في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية، فقد أصبحت خدمات الرعاية الصحية متاحة لشرائح المجتمع كافة، وعلى رأسها فئة كبار المواطنين، بفضل جهود وزارة الصحة ووقاية المجتمع، ووزارة تمكين المجتمع، ووزارة الأسرة، والشركاء المعنيين، والذي نتج عن تعاونها في إطلاق برامج فعالة للرعاية المنزلية والمتابعة الطبية المستمرة.

وفي الظروف الصحية التي قد تعيق كبار المواطنين عن التنقل إلى المستشفيات والعيادات، توفّر الجهات المعنية خدمات تمريضية متكاملة على مدار الساعة، داخل منازلهم، بما يشمل المتابعة الطبية، والرعاية التمريضية، والإشراف الوقائي.

وبهذا، ينعم كبار المواطنين براحة وكرامة في محيطهم الأسري، بين جدران ألفوها، وذكريات صنعوها، دون الحاجة إلى الانتقال إلى مستشفيات أو دور رعاية.

لكن، مع مرور الوقت، ظهرت إشكالية اجتماعية لافتة؛ إذ بدأ بعض الأبناء ينسحبون عاطفياً واجتماعياً من حياة والديهم، متكئين على وجود الممرضة أو الممرّض في المنزل. فلم تعد مهمة مقدّمي الرعاية محصورة في الجانب الصحي فحسب، بل تحوّلوا تدريجياً إلى الحاضن العاطفي الوحيد للوالد أو الوالدة، في ظل غياب الأبناء أو انشغالهم. وهذا الانسحاب الصامت، وإن كان غير مقصود أحياناً، فإنه يُفقد الوالدين شعورهما بأهميتهما ومكانتهما، ويزرع فيهما فراغاً نفسياً قاسياً لا تعوّضه أي خدمات.

إنّ بر الوالدين لا يختزل في تلبية احتياجاتهما الصحية فقط، بل يمتد ليشمل الدعم النفسي، والاهتمام العاطفي، والوجود الحقيقي في حياتهما. فالجهات المعنية – مشكورة – قد رفعت عن الأبناء الكثير من أعباء العلاج والتمريض، لكن ذلك لا يعفيهم من مسؤوليتهم في بر ذويهم، والسؤال عنهم، والحديث معهم، ومشاركتهم الحياة اليومية، حتى لو كانت ببساطة فنجان قهوة وبعض «السوالف».

كما أن على الأبناء ألّا يُثقلوا كاهل آبائهم في أعمارهم المتقدمة بهموم الدنيا، بل ليكونوا هم من يخففها عنهم، ويكونوا سنداً لهم، لا عبئاً إضافياً، فالراعي الحقيقي ليس من يُحضِر الدواء عند الحاجة وحسب، بل من يُقدّم الحنان، ويسكن القلوب، ويجعل شيخوخة الوالدين زمناً من الحب، لا العزلة.

You may also like

اترك تعليق