تشهد جراحات التجميل في العالم إقبالاً متزايداً، حتى تحولت من عمليات طبية دقيقة إلى ما يشبه جلسة «صالون» تتاح بسهولة عبر العيادات، ويتم إنجازها في فترات قياسية لربما تكون في فترة استراحة العمل «البريك»، ويروج لها ببعض التضليل على منصات التواصل الاجتماعي. وقد أرست المحكمة الاتحادية العليا أخيراً مبدأ قضائياً جديداً يتعلق بمسؤولية طبيب التجميل، مؤكدة أنه ملزم بتحقيق النتيجة المرجوة لا مجرد بذل العناية، بخلاف ما هو متعارف عليه في بقية التخصصات الطبية.
القضية التي نظرت فيها المحكمة تتعلق بوفاة مريضة خلال «عملية تنحيف»، حيث انحرف الطبيب عن المعايير الطبية المتعارف عليها، وهو ما أبرز المخاطر الجسيمة المرتبطة بهذا النوع من العمليات التي لا تهدف إلى إنقاذ حياة المريض، بل إلى تحسين مظهره، وهنا يصبح التزام الطبيب مضاعفاً، إذ لا يجوز له تعريض المريض لمخاطر تفوق الفوائد المرجوة، حتى مع توقيع المريض على إقرارات أو موافقات أو تنازلات وإخلاء مسؤولية.
الخطر يتجاوز الممارسة الطبية ليصل إلى الثقافة الاجتماعية، فقد تحولت عمليات التجميل إلى أمر عادي بين الفتيات، بل وحتى الشباب، وأصبح البعض يجريها في سن مبكرة لا تتجاوز الـ18، هذا التوجه يعكس تأثير الإعلانات المضللة والمؤثرين الذين يروّجون لمثالية الجمال بأسعار وعروض جذابة، بل أحياناً عبر تصوير الإجراءات كجزء من المحتوى الترفيهي، والذين أسميهم «ملوك الشرذمة»، وقد أوصيتُ سابقاً بضرورة منع عمليات التجميل للفتيات دون سن الـ21 للحد من هذه الظاهرة.
إلى جانب ذلك، يشير الحكم القضائي إلى تطوير تشريعات جديدة تحد من أخطاء جراحات التجميل، وتلزم العيادات بمعايير أعلى من السلامة، وتمنع العمليات غير الضرورية أو ذات الدوافع الكمالية فقط. كما يجب توفير بدائل صحية طويلة الأمد، مثل برامج التنحيف واللياقة التي تمتد من عام إلى ثلاثة أعوام، بدلاً من الاعتماد على الحلول السريعة ذات المخاطر العالية.
في النهاية، عمليات التجميل ليست مجرد شأن فردي، بل قضية صحية واجتماعية وقانونية تتطلب وعياً عاماً وتشريعات رادعة، حتى لا تتحول إلى تهديد صامت يطال حياة الأفراد واستقرار المجتمع.