لم يكن اللقاء والتواصل سابقاً بين الإخوة داخل البيت بحاجة لمناسبة اجتماعية، فقد كان اللعب الجماعي، والنقاشات اليومية، وحتى الخلافات العابرة، جزءاً من النسيج الطبيعي للحياة الأسرية.
أما اليوم، فبات من الممكن أن يمر يوم، أو حتى أيام، دون أن يرى الإخوة بعضهم بعضاً، رغم أنهم يعيشون تحت سقف واحد، فتحوّل المنزل إلى ما يشبه الفندق، لكل فرد غرفته، وجهازه، ووقته الخاص لتناول الطعام أو النوم.
لقد أصبح التواصل بين الإخوة يتم في كثير من الأحيان عبر الهاتف أو الـ«واتس أب»، بدلاً من اللقاء المباشر. أحدهم في غرفته يشاهد فيلماً، والثاني منشغل بالألعاب الإلكترونية، والثالث يتناول طعامه بمفرده. حتى مائدة الطعام، التي كانت رمزاً للتجمّع الأسري، أصبحت خياراً فردياً، وربما ذكرى نادرة.
هذا الشكل من التباعد، الذي يمكن وصفه بـ«التباعد الاجتماعي الأسري»، ليس مجرّد مظهر سطحي، بل مؤشر خطر على تغيّر ديناميكيات العلاقات داخل البيت. حين يفقد الإخوة التواصل اليومي، يضعف الرابط العاطفي بينهم، ويعتاد كل منهم الانعزال، ويبدأ بالنظر إلى الآخر كـ«شخص مقيم» أكثر منه شريكاً في الحياة.
تتعدد أسباب هذه الظاهرة، بدءاً من الانغماس الرقمي، حيث أصبحت الأجهزة الذكية ملاذاً دائماً، تقدّم الترفيه والتواصل والتعليم في شاشة صغيرة.
كذلك، اختلاف الجداول اليومية لأفراد الأسرة يجعل اللقاء أمراً صعباً، فكلٌّ منهم يعيش وفق توقيته الخاص. إلى جانب ذلك، فإن ضغوط الدراسة والواجبات والأنشطة قد تترك للطفل وقتاً محدوداً للتفاعل مع أسرته من جهة، وضغوط العمل على الوالدين من جهة أخرى. والأهم، حين يغيب النموذج الأسري المترابط، ويتقلص الحوار بين الوالدين، يصبح من الطبيعي أن لا ينشأ تواصل فعّال بين الإخوة.
انعكاسات هذا التباعد تظهر بوضوح في الجوانب النفسية والاجتماعية.
فالعزلة المستمرة تؤدي إلى ضعف الانتماء العائلي، وتُفقد الطفل فرصاً مهمة لاكتساب مهارات التفاعل، مثل الحوار والمشاركة، كما قد يشعر الطفل بوحدة عاطفية، حتى وهو محاط بأفراد أسرته، ما يفتح المجال لمشاعر القلق أو الاكتئاب. وعلى المدى البعيد، تصبح علاقة الإخوة سطحية، خالية من الذكريات المشتركة، وقائمة على المجاملات أو المصالح فقط.
لكن الأمر ليس ميؤوساً منه، فالحلول تبدأ بخطوات بسيطة، مثل تخصيص وقت يومي أو أسبوعي للتواصل العائلي من دون أجهزة. يمكن خلق أنشطة مشتركة بين الإخوة مشابهة لما يفعلونه مع أصدقائهم، وفي كثير من الأحيان رفاقهم الرقميين، مثل مشاهدة البرامج والأفلام، وإعداد الطعام، واللعب معاً، أو حتى مشاركة الموضوعات والاهتمامات وآخر الأخبار (سوالف).
كذلك، تشجيع الحوار والنقاش، وتبادل الآراء داخل الأسرة، وضبط استخدام الهواتف بطريقة متزنة، يفتح مساحة حقيقية للتواصل.
في الختام، التواصل بين الإخوة ليس رفاهية، بل حاجة أساسية لنموهم العاطفي والاجتماعي. التباعد بينهم لا يبدأ من مسافات، بل من صمت طويل لا يُكسر، علينا أن نعيد إلى أجواء الأسرة صوتها، ولنمنح الإخوة فرصة أن يكونوا إخوة فاعلين لا غرباء